أخبار وطنية اخصائيون نفسيون يشرحون ظاهرة العراء والعنف والتطرف في دخلة «الباك سبور»
أثارت دخلات الباك سبور في عدد من معاهد الجمهورية جدلا واسعا، إذ تضمنت رسوما تشير إلى العنف والتطرف ومنها رسم كبير لهتلر ورسوم أخرى لمقاتلي داعش.. وفي هذا السياق نبه ملاحظون من خطورة استشراء التفكير المتطرف والعنصري لدى بعض التلاميذ، مما أدى بهم الى التعبير برسم صور رأى فيها البعض إخلالا بالآداب العامة وتحديا للنواميس المجتمعيّة.
وحول هذا الاشكال، اتّصلت أخبار الجمهورية بخبراء نفسانيين واجتماعيين لمعرفة الأسباب العميقة لهذه الظاهرة وسُبل التعامل معها.
الدكتور شهاب اليحياوي: التلاميذ لم يختلقوا هذه الرّسوم بل وظفوها لجلب الانتباه ولإحداث الصدمة
اعتبر الدكتور شهاب اليحياوي(باحث اجتماعي) أن دخلة «الباك سبور» اتّخذت طابعا احتفاليا رمزيا، فالرموز والعلامات والاشارات والأشكال هي تعبيرات ثقافية ورمزية لكونها تستخدم للتعبير عن مواقف جماعية من المدرسة أو من المجتمع أو من المدرسين أو من السلطة التربوية. كما يمكن أيضا أن تقرأ منها نظرتهم حول أنفسهم في علاقة بالكهول وبالمحيط المدرسي أو العائلي أو المجتمعي وكلّ ما يعتبر سلطويا بالنسبة اليهم، والمنقطع عن همومهم وأفكارهم وتطلعاتهم ومشاعرهم وانتظاراتهم، على حد تعبيره. و أشار الباحث الاجتماعي شهاب اليحياوي إلى أن هذه الظاهرة، عرفت 3 مراحل... فمن المحلية الضيقة (بدأت في بعض المعاهد) الى العمومية (أصبحت في كل المعاهد وكل سنة) وهنا أصبحت قيم المنافسة والبحث عن التميّز والاختلاف هي المحرك الابداعي لأشكال فنية مغايرة ومتباينة للتعبير. أما المرحلة الثالثة للظاهرة والتي تأتي بعد «الثورة» فتتميز بتأثّرها التام بالمناخ النفسي المجتمعي العام أو الذي يسود الأوساط السياسية والفنية والاعلامية والتواصل ضمن الحياة اليومية، والذي عكس أو كشف عن منسوب عال جدا من الحرية غير المسؤولة وسوء فهم للديمقراطية والحرية في اطار أزمة القيم والمفاهيم التي خلفتها الثورة وفقدان المجتمع والأفراد تباعا للتوازن العقائدي والفكري والنفسي الذي كان سائدا في فترات الاستقرار.
الرسوم تحدّت كل الضوابط الاجتماعية
واعتبر الدكتور اليحياوي، أن هذه المرحلة من الظاهرة تتميّز بالبحث عن الدهشة وعن الصدمة وعن الاثارة في أبعد أشكالها الاستفزازية والتي تحدّت في أحيان وفي أماكن معينة كل الضوابط القيمية الجماعية وحتى المرفوض مجتمعيا مثل الصور الرامزة للحرق والذبح والقتل والتدمير كلغة تخاطب مع الآخر المختلف أو المغاير. وتتصف أيضا بمنسوب احتقان عالي الدرجة في المشاعر الكارهة والرافضة لسلطة المربّي ووصايته عليه وكبته لحريته وحرمانه من فرص ابراز ذاته والتعبير عن مواقفه من وجهة نظره وأكّد مُحدّثنا أن الرموز والأشكال والعلامات الموظفة في تلك الرسوم، هي ما يتداول يوميا في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي وبالتالي هم لم يختلقوها، بل وظفوها في مجال مغاير لجلب الانتباه أو لإحداث الصدمة والدهشة وبالتالي جلب الانتباه لهم ليكونوا موضوع جدل ونقاش مجتمعي ونخبوي مثلما هو قائم.
العلاقة المتشنجة بين التلميذ والمدرسة قد تفسر جانبا من هذه السلوكات
وفي المقابل، أوضح نفس الباحث الاجتماعي أنه رغم الجوانب السلبية جدا والمتصلة بتجاوز كل الضوابط الاخلاقية والمجتمعية في بعض المؤسسات التربوية. فإن الظاهرة نجحت في خلق حوار مجتمعي غير رسمي وغير مبرمج حول الشباب والمراهقة وحول الشباب والمدرسة وحول المنظومة التربوية وفشلها في أداء وظائفها غير التعليمية . كما أن العلاقة المتشنجة بين التلميذ والمدرسة والتي تعود إلى أسباب عديدة لا يسمح المجال بالحديث عنها وفشل المدرسة في احتواء التلميذ وأداء وظائفها الثقافية والسلوكية والوجدانية وخلق آليات وفضاءات التواصل بين مختلف شركاء العملية التربوية داخلها هي السبب في هذا الكم الهائل من التعبيرات الخارجة والمارقة عن القيم التربوية المنتظرة والمتوقعة أنها الضابطة الفعلية لسلوك وتصرفات تلامذة قضوا 7 سنوات أو أكثر في المدرسة، على حد قوله.
الدكتورة مريم صمود: تزعزع المنظومتين القانونية والأخلاقية وراء ما حدث
اعتبرت الدكتورة مريم صمود (اخصائية نفسانية)، أن ما حدث خلال «الباك سبور» هو عرض من عوارض مرضية للمجتمع والّتي طفت على السطح، قد جسّدها المُراهق باعتبار أن له له خاصية الاندفاع وهو لايزال في طور صقل شخصيته. ويُعدّ مردّ هذه الظاهرة، حسب الخبيرة النفسانية، إلى انتشار وسائل الاتصال الحديثة التي ساعدت على تقبّل كلّ ماهو عنيف. كما نوّهت بأن هذه النزعة ليست حكرا على المراهقين فقط، انما هي نفسية عامة، سببها الخوف والاغتراب، غير أن الكهول بامكانهم التحكم في ردّات فعلهم.
وفي ذات السياق، أضافت الدكتورة مريم صمود، أن ما زاد من تفاقم الظاهرة هو الثورة والمنظومة القانونية والأخلاقية التي تزعزعت . كما تُعدّ الحرية التي اكتسبناها بعد الثورة، حرية غير صحّية بعد تحطيمها كلّ القيود . من جانب آخر، احساس الناس بعدم الامان، وظهور ظاهرة الارهاب التي عززت الخوف. من جهة اخرى ترى الخبيرة صمود الهوة بين الجيلين وسببه التطور السريع، اختلاف القيم مثل احترام الاستاذ أو شخص يكبرك في السن. وقالت الخبيرة إن الحل يكمن في أن نلعب دور الوعاء واحتواء العنف على اصعدة مختلفة، كأن نقرّ وجود اخصائي نفساني في كلّ مؤسسة تربوية وتوفير انشطة ثقافية ورياضية وجمعياتية حتى يقوم المراهق بتصعيد طاقته وعنفه الذي يكمن بداخله ضمن هذا الاطار.
إعداد: نضال الصيد